أين الثروة ؟.. الثروة في المديونية !

مع مرور أزيد من 58 سنة من الاستقلال، راكمت الدولة المغربية سوء التدبير الاقتصادي و الاجتماعي بناءا على ما تمليه المؤسسات المالية الدولية ومراكز القرار العالمية التي تواصل ترحيل ثرواتنا عبر مختلف الآليات منها الديون، والتبادل اللامتكافئ، وترحيل الأرباح وتهريب الرساميل، و لعلا التقارير الدولية التي تُصنف المغرب في مراتب متأخرة في مختلف المجالات التنموية و الاقتصادية و السياسية و الحقوقية خير ألف ذليل.

العائق الأول عدم الاهتمام ونسبة اللاوعي من عموم المواطنين بهذه الخطورة القصوى التي هددت وتُهدد انهيار مستقبل أجيال الشعب المغربي وتفرض عليه العيش في دوامة التخلف والفقر و الحرمان و بطالة ، وإن كل أزمة جديدة تهز المغرب كـ’ارتفاع الاسعار ‘ تـكون قادمة من نفق سوء التدبير ، و التدبير له ربط أساسي بسيادة البلاد حيث أن السيادة تنتهك فور التدخل الخارجي للمؤسسات العالمية وهي التي تفرض برامج هيكلية على البلاد طبعا وفق منطق الرأسمالي يهمه الربح و لاتهمه كرامة الانسان و البشر بشكل عام، فحينما يقترض المغرب مثلا مبلغ مالي ضخم من البنك الدولي ، فهذا القرض يكون بشروط و هذه الشروط تفرض علينا برامج تستنزف ثروتنا وتعمق تبعيته البنيوية في كافة المجالات المالية والتقنية والتجارية والصناعية والغذائية، حيث انها ستزداد تفاقما في ظل الأزمة الرأسمالية العالمية كما أنها قروض تصب في مصلحة الرأسمال، ” فلا يوجد شيء في سبيل الله  “

وعلى ذكر القروض التي يقترضها المغرب فقد أوضحت ” جمعية أطاك المغرب ” ، أن نسبة العجز ارتفعت بشكل مهول في ميزانية الدولة منها (7,7% من الناتج الداخلي الخام)، والميزان التجاري (24%)، والميزان الجاري (10%). وتستمر الدولة في الإقتراض بشكل مهول وبما أن الحزب الذي يزعم أنه في سدة الحكومة،  قد خطط و وعد المغاربة عبر رئيسها ” عبد الاله بنكيران ” أنه في ظل حكمه لا مزيد من الاقتراض عبر مزيد من ” التخراج العينين ” “وسعرة المسعورة” على أبناء الشعب المغربي ، فأنه بنفسه يُفاجئ حتى يوقع  و ربما بدون شعور  قرضا جديدا لا يعرف كيف طلبه و هل هو حقا من طلبه ، وحينما يُساءل عن ذلك سرعان ما يصف كل هذا بـ’ التماسيح و العفاريت ‘ وذلك عوض  المواجهة و التحقيق و ذكر الاسماء بأسمائها، إذن على غرار هذا المأزق ” البنكراني ” هناك ما تتهرب من دولة الرسمية وهو عوض البحث عن موارد داخلية عبر فرض الضريبة على الثروات الكبرى، واسترجاع الأموال المنهوبة والمهربة، ووقف خوصصة المقاولات العمومية المربحة، ووقف تسديد خدمة الدين العمومية، تستمر الدولة في اللجوء إلى الأسواق المالية الدولية لتقترض منها بالعملة الصعبة مباشرة مع ما تعنيه من معدلات فائدة مرتفعة وشروط مجحفة.

يمثل هذا المشكل و هو الأبرز في المشهد السياسي و الاقتصادي في المغرب ، حيث انه كما قلت سابقا يلقى تجاهل شعبي أو عدم اهتمام إلا من النسبة النخبوية القليلة والتي تعد على رأس الأصابع ، حيث أن هناك جمعيات قليلة متحررة  مهتمة، وأن نخبة السياسية و الأحزاب والتي عوض أن تكون في منصب القائد و المرشد، فهي لا يمكن القول عنها كسولة ومتورطة في اللعبة السياسية.

نقول هذا ، لأن المغاربة يعانون من ضعف الفكرة المتحررة وسيطرة الخوف على عقولهم و ” التمخزنيت ” الراسخة على مدى العصور ومن ” جد الجد ‘ في ظل محتوى تعليمي ضعيف ” حتى لا نقول تكليخي ” و في ظل طليعة شبابنا مهتمة بالأمور الظاهرية و ‘ مـامسوقاش ” و في ظل انكماش جمعيات التثقيف و جمعيات المجتمع المدني.

 ما من حل أمام المغاربة اليوم وهو أن النخبة المثقفة و الاحزاب السياسية عليها ان تفض الغبار عليها وان تخرج الى التعبئة الفكرية و التثقيفية للعموم المغاربة وان تـقوم بأدوار المهمة و تحسس الناس بخطورة الازمات و تنزل إلى الاحياء الهامشية و تشير الى مصدر داء المغاربة وان تترك الباقي للـ”شعب ” لكي يقول كلمته .

إن السيطرة الرأسمالية من الأبناك و المؤسسات الدولية التي ترهن سيادتنا إقتصاديا و اجتماعيا وعسكريا و تفرض على البلاد اكتساح طابع البطالة الجماهيرية، تفرض اسئلة مهم بدرجة الأولى ، ما الـحل ؟ وكيف نواجه ذلك ؟ و ماهي البدائل ؟ ، إن بداية الحلول تبدأ حينما يطالب المغاربة في تدقيق للديون ومحاسبة كل من ثبت فيه سرقة ولو درهم واحد ، ومنها خوض تعبئة سياسية تشاركية على كل الجبهات بمعية كل أفراد المجتمع المدني و منظمات حقوق الانسان و جمعيات و مواطنين ورجال القانون و الشباب ..الخ ، فبإمكان العديد من الفاعلين المختلفين المبادرة بدعوة لتحقيق تدقيق في الديون. حيث أن هذه التعبئة هي الوحيدة من شأنها ان تضمن نجاح هذه المبادرة ، كما تدل على ذلك تجارب عديدة لتدقيق الديون تلك التي تمت كمثل في البرازيل و الفيليبين. كما لا ننسى ان المؤسسات دولة تلعب دورا هاما في هذا المجال وأن تتحمل المسؤولية في تدقيق الديون .

ولدينا في المغرب ” جمعية أطاك المغرب ” وهي جمعية تهتم بهذا الاجراء بشكل قوي وتلعب دورا هاما في ذلك رغم بعض الصعوبات التي تواجهها من تضييق الدولة عليها باستمرار وعبر عدم منحها الإيداع القانوني رغم ان المحكمة حكمت لصالح الجمعية ابتدائيا، و بخصوص ذلك ، فقد ذكر تقرير ” منظمة هيومن رايتس ووتش” سنة 2009،  أن الترخيص أو عدم الترخيص لجمعيات من قبل مصالح وزارة الداخلية مازال يخضع للاستجابة للمعايير السياسية وليس للشروط الإدارية والقانونية.

فمن ضروري أن نجد حركات منظمة لأجل إلغاء الديون كـ’جمعية أطاك المغرب ‘ وستكون ضرورة القيام بالتدقيق أمرا خاضعا لتقييمات متباينة حسب الحالات ، طبعا يكون هذا إزاء مناخ ديمقراطي في البلاد حيث تكون المؤسسات ديمقراطية و حرية الصحافة فهي شروط أولية ملائمة لإطلاق عملية التدقيق حول المديونية فقدرة اجراء تدقيق تقاس بمدى قوة الحركات الديمقراطية و المواطنية في الميدان .

ذلك طبعا يتطلب حملات إعلامية كبيرة على جميع الجبهات ، فقد أصدرت ” جمعية أطاك المغرب ” كتابا بـعنوان بارز ” لُنجري تحقيقا في الـمديونية ” هـذا الكتاب و هو ذليل يوضح مامدى اهمية إجراء التدقيق للديون ، و قد نشر احصائيات مهمة و مفاهيم عدة تخص ذلك ، و الأهم انه نشر تجاريب ناجحة لهذه الحملة في بعض الدول .

إذن هنا تكمل الأداة الضرورية للتعبئة شعبنا من أجل مواجهة ما ينخر ويستغل ثروته  ويقتل مصدر رزقه ويحكم عليه العيش في ظل الازمة و حرمان و التخلف و تابعية و الفقر، و تهريب الاموال وضرب الخدمات الاجتماعية وجعلها ذات مكسب رأسمالي ، كـ’الصحة و التعليم وشركات النقل وشركات جمع الازبال .. الخ ” لذلك نريد السيادة لشعبنا عبر التحكم في اجهزتها بتشاركية و مراعاة لمصلحة أرضنا و ثروتنا و سيادتنا .

لعلا تساءل الملك حول أين الثروة، تكون الاجابة عنه بمبادرته الشخصية عبر اقتراح افتاحص المديونية المغربية، وستكون طبعا مبادرة جيدة وتُحسب له، إن كان المغاربة لمسوا التغير على مستوى خطاب الملك، فلماذا لا نُلامس التغير من واقع المغاربة بواسطة الملك ؟

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *