متى تعترض؟

[مشهد افتتاحي: رجلٌ ّمغربي فقير بائس، في ملابس رثّة بالكاد تغطي عورته. يستيقظ من نومه، ليجد حجرته غارقةً في مياه الصرف الصحيّ التي كذب بشأن اصلاحها المرشح الانتخابي عن الحزب الاخواني باسم الدين. لا يعترض. يعبر فوق أجساد أطفاله المكوّمة على الأرض. هم في إجازة طويلة لأن مدرستهم مهدّمة بلا جدران، وبلا كراسي، وبلا مدرسين. لم يعترض. يذهب ليشتري الخبز فيجد فيه مسامير وصراصير. لا يعترض.

يقف امام الباب عشته، ويستنشق روائح الفوسفوريك المنبعثة من اقرب مصنع ملوث. لا يعترض.

مشهد الذروة: ترتفع حرارةُ طفله السابع. تتدهور حاله، فيذهب به إلى المستوصف الصحي. لا إسعافًا وجد، ولا طبيبًا، ولا دواء. لا أحد ثمة، إلا ممرضة بدينة حامل تحشو ” المرقة”. لا يعترض. يعود الرجل إلى أسرته الفقيرة وطفله المحموم بين يديه جثّة هامدة. ولا يعترض.

مشهد ختامي: صديقنا المغربي الفقير البائس أبوالأطفال الذين بلا مدارس ولا علاج ولا طعام ولا ملابس، وارى طفلَه التراب في صمت ودون اعتراض. في طريق عودته لعُشّته الصفيح سمع من بعض الجيران الفقراء غير المعترضين، أن هناك كنيسة ستُبنى في القرية. هنا، انتفخت أوداجُ صاحبنا غير المعترض، واحمرّت عيناه، وأرغى وأزبد، وانضم إلى جيرانه في مظاهرة ليعترض.]

إنضاف إلى المشهد الختامي، المشهد الأخير، في الحي شاب جميل، وفي نفس الحي شابة جميلة، الشاب الجميل رصد الجميلة كتبت على الفيسبوك عبارات تُشير إلى الإلحاد، او تُناقش ما لا يُناقش، الشاب يُفكر في حرقها وضربها وقتلها، إنها ملحدة وهذا هوالأهم.

لم يفكر يوما ما ” بيكيت ” أن تكون مسرحياته موضوع هزيمة نكراء عندما تقضي عليها الشعوب العربية بمسرحياتها التي تنتمي إلى «مسرح العبث» أو اللامعقول Absurd. لكنها ليست من تأليف عُمدة مسرح العبث الأيرلندي «صمويل بيكيت»، ولا تلميذه البريطاني «هارولد بنتر»، إنها من تأليف هذه الشعوب.

مسرحيتنا المذكورة أعلاه تحمل من لوحات الرسام سيلفادور دالي الكثير من نمط السيرالية، هل الإسلامُ ضعيفٌ يستأهل الذود عنه؟ حتى يفكر شاب في حرق ابنت حيه وعرقه؟ هل أمر الإسلامُ بهدم الكنائس؟ حتى يجن صاحبنا في السطور الأولى هل يشكُّ في أنها رغبةُ الله في اختلاف البشر بدليل قوله: «ولو شاءَ ربُّكَ لجعلَ الناسَ أمّةً واحدة، ولا يزالون مختلفين». هود 118؟ وسؤال هامشي: «متى يعترض على ما يوجب الاعتراض؟!»، متى يفهم الشاب الجميل أن صديقته الجميلة تناقش وهو لا يناقش؟ متى يعترض الذي يجب أن يعترض؟

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *