الذي ينظر إلى تركيبة النظام السياسي المخزني القائم في البلاد، أول ما يُمكنه أن يفهمه أن الأرضية القائم عليها ما يُسمى بـ” المخزن ” مُتشبعة بأطنان كبيرة من العبث.
مناسبة حديثتنا عن العبث، ليست بمعزل عن قضية سياسية و اجتماعية أو حقوقية انتُهكت فيها الحقوق الفردية أو جماعية، فالدولة العادية تكون رزينة ولها من سمعة المؤسسات وجود صلب تعتمد عن حسن التدبير و التسير، و تتعامل مع الأحداث وفقاً لضوابط خاصة، و يمكن للدولة العادية أن تُجرم في حق المواطنين و النشطاء و الصحفيين دون أن تُفجر ادنى وصمة عار أو فضيحة مدوية مثيرة للغتيان أو الضحك.الدولة العادية يمكن ايضا أن تكون دكتاتورية إلا أنها لا تُنكل بالناس في حياتهم الشخصية.
هناك الدولة العادية، و هناك الدولة المجنونة، التي لها من التسيير الصبياني نصيب كبير وتتعامل مع الأحداث بالجنون البشع، و تقاوح في الآن ذاته، ويدها مرتشعة، و مؤسساتها صورية لا تقدم و لا تؤخر في شيء، تنتهك حرمة الحريات و الصحفيين و النشطاء بمجرد ما أنهم بعثوا إليها برسائل تقض مضاجعها، فترد سريعاً و تحيل نفسها إلى عملية الأخد و الرد بين طرفين.
الدولة المجنونة، لا تُعتبر ممثلةَ للوطنَ و معالمه و تاريخه، فهي غالباً ما تكون متطفلة و تُكرس صورة بشعة عنه، وتحاول جاهدةَ فرد نفسها، و يُعاملها مواطنوها بكثير من الحذر و الخوف، وهي دولة غالباً ما تعتمد على أجهزة مخابارات عشوائية من أجل رفع تقارير ميدانية، و تعتمد أيضا على ما يُسمى بـلعبة ” الضد ” المندرجة ضمن سياق ” الصبيانية “.
في الأسبوع الماضي، تقدم ” بوشعيب أرميل ” المدير العام للأمن الوطني بدعوة للقضاء المغربي يُطالب فيها بالحكم على صحفي ” حميد المهداوي ” مدير موقع ” بديل ” بـ 10 سنوات عدم مزاولة مهنة الصحافة وغرامة 25 مليون سنتيمم، و التهمة بالكاد تكون مجنونة ومثيرة للضحك، وهي ” المس بكرامة الأمن “، إذ تعتبر مدرية الأمن أن المس بكرامتها هو نقل أخبار صادرة عن بيانٍ لجمعيةَ حقوقية و رواية أخرى عن عائلة الضحية بل وعن وكيل الملك نفسه، أي بمعنى أخر ” نقل خبر ونشره ” يُعد مساً بكرامة الأمن. ببساطة لأن جهاز الأمن يُريد أن يقول للجميع أنني أكره شيء إسمه ” الصحافة و الصحافيين ” ، لذلك احذروا من الكتابة فذلك يُعد مساً بكرامة الأمن.
و قبل حوالي سنة، اعتقل علي أنوزلا و هو صحفي مغربي شهير معروف بجرأته و إنتقاده للملكية في البلاد، بتهمة نشر ” شريط منسوب لتنظيم القاعدة ” و هو أيضاً ما إعتبره القضاء المغربي تشجيعاً للإرهاب و إشادةَ به. و في اسبانيا حيث رفعت الدولة المغربية نفس الدعوة على جريدة اسبانية نقلت نفس المعلومة، رد في وجهها القضاء الاسباني بعدم قبول الدعوة، و كانت الصدمة لعائلة ” الصبيانيين “، و ضحك النشطاء و السياسيين و الحقوقيين حتى استلقوا على ظهورهم.
وقبل حميد المهداوي و علي أنوزلا، حُكم الصحفي رشيد نيني بتهم نشر مقالات تحريضية و مُخربة للعقول، و قضى رشيد سنة حبساً، المشكلة هي أن الكل التهم الموجهة لهؤلاء الصحفيين أنها متشابهة و لا يقبلها عقل عاقل، أو مؤسسة قضائية رزينة، وإنما كلها مجرد وصمة عار مضحكة سجلها التاريخ عن ” الصبيانيين “.
الصبيانية، أفظع من الدكتاتورية، فالدكتاتورية يمكنها أن تنكل بحياة الناس و تعذبهم و تسجنهم بشكل مباشر و بدون مراوغات و بشكل علني، فالصبيانية نموذج نادر و قليل ولم يظهر بشكل كبير، فهي تنتج الحقارة و تخرب الأوطان و تكسر الدولة هيبتها و تجعل البلاد مضحكة أمام الملئ.
لذلك بات يبدوا من السهل محاربة الدكتاتورية، و من الصعب محاربة الصبيانية.
