من أجل مغرب آخر ممكن فلنوقف ’’المحطة الحرارية ‘‘


إن كل ما تطمح له الشعوب في هذه الأرض هو الازدهار والتنمية والعدالة الاجتماعية وأن يكون لديها حكومات ديمقراطية تسهر على تحقيق ذلك، عبر مختلف الطرق السليمة والضامنة للسلام و تحقيق العدل لكافة المواطنين، إلا أنه للأسف حكوماتنا المُتخلفة هذه تمضي قدماً نحو مصير مُظلم ومجحف لا يتوافق مع شروط العصر المنشودة، بل يُذكرنا هذا المصير بحقبة التخلف والجاهلية والاتجار بالبشر، إن الدولة التي تعرض نفسها للبيع مُقابل تسديد سندات الديون والاقتراض عبر الرضوخ لتوصيات و قرارات القوى الإمبريالية ليست بالدولة التي تستحق الاحترام ولا ثقة في مؤسساتها، فهي أولا تعرض سيادتها للهدر وتنتهك شرف الوطن، ثانياً تقدم شعبها كبش فداء فهو أولا و أخيرا الذي يؤدي ضريبة القرارات الدموية التي يتخذها الحكام، ضريبة بيئية ملوثة وكاهل ديون ثقيل يؤدي الشعب ثمنه على مر الزمن و الأجيال، و يُقرر في حضرته وغيابه مصيره الموعود بمستقبل مُظلم.

إن تحركات المواطنين ضد أصل الداء تُعد قليلة وضعيفة، نظراً لصعوبة الفهم وانعدام خطاب مُبسط يفكك الهجمات التي تتعرض لها مكتسبات المواطنين ويُقدمها عبارة عن معلومة لضخ الفكرة وسبل المقاومة، تحركات المواطنين اليوم في مغربنا تتزامن مع فترة وقوع الحدث، فمثلا برمجت الدولة منذ سنوات ماضية برنامجاً لتوطين مشروع ” المحطات الحرارية ” في عدة مناطق و مدن مغربية، و قبل توطينها و أثناء مناقشة المسؤولين لهذا القرار، لم تتحرك أية جهات من النسيج الجمعوي أو السياسي في المغرب ضد هذا القرار- رغم علمهم بخطورة هذه المشاريع وضررها البيئي والصحي، إضافة إلى أن مُجمل التقارير السنوية للمراكز البيئية الدولية حذرت مراراً من خطورة ” الفحم الحجري ” الذي تشتغل به هذه المحطات المولدة للطاقة الكهربائية وهناك مطالب عدة بإدراج هذا الفحم ضمن قائمة المحظورات، وتحركات المواطنين جاءت مُتأخرة نوعا ما، لكنها تحركت مع إحساسها بـ” الداء ” .

non-conterale
قبل الخوض في أضرار المشروع الذي يسوق له الحاكمون على أنه نموذج للتنمية المستدامة والطاقة، علينا الاستعانة بالمقولة الشهيرة ” أعرف عدوك أولاً ” فالذي ينظر إلى المُشرفين على توطين المشروع سواء من مؤسسات الدولة والشركات الدولية المتعددة الجنسيات وشركات السلطة الحاكمة المُحتكرة، يفهم أن مقاومة مثل هذه المشاريع ليس بالأمر الهين ولا يجب الاستهانة به، فالشركات المتعددة الجنسيات الرأسمالية التي تضرب التوازن الاجتماعي والبيئي بعرض الحائط لا يهمها سوى الربح، إضافة إلى أننا نجد الرأسمال المحلي الخاص و المتمثل في الدرع الأخضر لـ’ONA ‘ الملكية ” نـاريفا ” التي تحتكر حصة الأسد من صفقات ” مصاصي الدماء الرأسماليين ” من خلال تقديم مقترحات مشاريع تنمية نظيفة MDP في إطار سوق الكاربون التي تم خلقها كما ثم خلق صندوق محلي للكاربون من تمويل إيرادات ومعاشات العمال والمستخدمين من خلال صندوق الإيداع والتدبير والذي سيتكلف بتمويل هذه المشاريع، رغم أنها اثبتت فشلها وخطورتها على الصعيد العالمي، فالدول الأوروبية بدأت تُسارع بإبعاد  هذا الخطر الداهم عنها وتحويله نحو دول الجنوب ( المغرب نموذجاً ) .

إن الخطاب الذي يسوق هذه المشاريع على أنها فرصة للاستثمار و الازدهار، خطاب مزدوج ومتناقض في الوقت آنه، فالخطابات الرسمية للدولة بمؤسساتها، مُلتزمة بالعمل ضمن المجتمع الدولي للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة كما جاء ذلك في إطار استراتيجية المغرب في مجال التغير المناخي و أيضا “مشروع تدابير التخفيف من الانبعاثات الغازات الدفيئة الصادر عن وزارة البيئة”، إضافة للمصادقة المغرب على عددًا من البرتوكولات البيئية من شأنها أن تضمن الدولة الحفاظ على البيئة و الحد من تسربات الغازات المُضرة، فإذا كانت الأمم المتحدة تُحذر من توطين ” المحطات الحرارية ” التي تعمل بالفحم الحجري وما ينتج عنه من رماد يصل مداه 18٪ بالوزن بينما ينتج عن احتراقه كميات كبيرة من أوكسيد الكربون والنيتروجين والكبريت، فكيف يُعقل ان تسمي الشركات القائمة على المشروع ” الـفحم الحجري ” بـ ” الفحم النظيف ؟ ” و تسوق الدولة على أن هذا المشروع ” غير مُضر بتاتا بالصحة و لا البيئة “، ففي مدينة آسفي مثلا ثم برمجة توطين هذا المشروع على بُعد 7كلم من مدينة مليئة بالسكان و النبض الاجتماعي في الحين حسب تقدير الخبراء في هذا المجال يجب أن تكون المحطات الحرارية بعيدة عن السكان بأزيد من 200 كلم، فيكفي لأي واحد منا أن يكتب في محرك البحث GOOGLE الفحم الحجري أو المحطة الحرارية ستظهر أمامه مئات الالاف من نتائج البحث و الأخبار التي تُحذر من خطورتها. إن اليوم لدينا عدة إمكانيات في أيدينا تخولنا مقاومة هذه الأخطار التي تحيط بنا.

بيئيا يبدو أن الأمر يُعد أكثر خطورة ويتطلب تحركا عاجلا لكافة القوى السياسية والمدنية والمجتمعية في المغرب، و لا يجب أن تعمل بمبدأ ” شأن محلي ” فكما وضحت سابقا أن المشروع يأخذ بُعدا مصيريا في حياة هذا الشعب ونحن أمام قوى امبريالية لا تهتم بشأن حياتنا ومجتمعنا وصحتنا وببيئتنا لذلك علينا أن نتآزر فيما بيننا وأن نكثف جهودنا للحد من هذا العبث، لقد تأسست في مدينة آسفي شبكة الدفاع عن البيئة ضد المشروع وكذلك في مدينة تزنيت، مكونة من مختلف التيارات السياسية و الجمعوية وهذه بادرة مُشرفة، إلى أنها يجب أن تخرج من ضيق المحلي و ان تنفتح على افة القوى الوطنية والدولية، ذلك عبر انخراطنا الجماعي في مثل هذه الجبهات وتقديم لهم يد المساعدة لهم عبر مختلف الطرق، فهي أولا تُعد اختبارا للمكونات السياسية التي قليلا ما تشتغل رفقة بعضها وهي نموذج لمقاومة ظلت نائمة لوقت طويل في المغرب، وهنا أتفق كثيراً على ما جاء به الفاعل الجمعوي من مدينة تزنيت حسن رحم حينما قال – أنه من العادي والطبيعي جداً أن نتعرض لأي تشبيك أو جبهة أعطاب تنظيمية ، وذلك بسبب غياب تراكمات وتقاليد في العمل المشترك بين حساسيات متباينة المرجعية والقناعات-.

إن وهم حماية البيئة عن طريق ميكانيزمات السوق وما يسمى بالرأسمالية الخضراء، هو شبح كبير يتطلب وعيا جماهيريا للوقوف لصده، وسيتحقق هذا بانخراطنا في مواجهة مشاريعهم الوهمية التي تسعى الى تدمير نقطة حياتنا، إن مسألة البيئة اليوم لم تعد مسألة نظافة شوارع و صباغة الجدران، اليوم البيئة أصبحت مسألة حتمية على كل فرد منا الدفاع عنها، و أن اي انتهاك للبيئة يُعد تعديا على كرامة البشرية و اغتصابا لها،وهنا نستحضر ما قاله ” دومينيك بورج .:”لقد أصبح من الواجب علينا التعامل مع الطبيعة كإرث مشترك للإنسانية ( في حاضرها ومستقبلها) ولم يعد من حق أيّ واحد منّا أن يفعل بالطبيعة وفيها ما يشاء…”

ليس هناك أيّ سبب لإقامة عقد متخيل بين الإنسان والطبيعة لمواجهة هذا المشكل، فالأمر يقتضي فقط تفكيك حقوق الإنسان لصالح المواطن، وإعادة بنائها من جديد، انطلاقا من الوعي بما ينبغي أن تكون عليه علاقات البشر بعضهم مع بعض من جهة، وعلاقاتهم بباقي عناصر الطبيعة من جهة أخرى.” فليكن وقوفنا ضد المحطات الحرارية نقطة انطلاق، من أجل مغرب أخر ممكن وضروري، فمن خلال ذلك يحق لنا المطالبة بإلغاء الديون المالية للدول الفقيرة بإشعار ورقة الدين الإيكولوجي الذي تفوق قيمته بكثير قيمة الديون المالية الحالية للدول الفقيرة. و المطالبة أيضا بإعادة تملك الشعوب لمواردها الطبيعية واستعادة سيادتها الغذائية المرهونة اليوم بمصالح الشركات المتعددة الجنسية (حالات تفويت عيون بنصميم، الشاون، السلطان، عين سايس…).. كما يحق لنا عبر آلياتنا اجراء افتحاصات للديون التي تقترض بداعي حماية البيئة، هناك ديون مخفية في المجال الاقتصادي والبيئي، لا بد من أن تخطو قوانا خطوة ان تقفز قفزة نوعية، و أن تتطور منهجيتنا وأفكارنا  من أجل تثقيف شعبي متجه نحو الفعل.

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *